"المدرسة وحدة تطوير": مبادرة تطوير القراءة في الصفوف الأولى
نشر بتاريخ: 29/09/2024 ( آخر تحديث: 29/09/2024 الساعة: 12:28:05 )
التمكن من القراءة أهم مهارة يحتاج الطفل إلى تعلمها في مراحل مبكرة، وهي أساس تعلّم أعمق يؤدي إلى تحصيل أكاديمي أكبر، وإلى مهارات أعلى في مجالات حل المشكلات والتفكير الناقد وغيرها. ومع هذه الحقيقة، نجد أن نصف الأطفال الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) يواجهون ضعفاً في مهارات القراءة وفهم المقروء، كما تُشير بعض الدراسات الدولية، مثل البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (بيزا 2022)، من أن 77 بالمئة من الطلبة في سن ال 15 عاماً أظهروا أداءً أقل من المستوى المطلوب في مجال القرائية.
في الواقع، ثمة عديد من الأسباب لضعف نتائج القراءة، منها ما يرتبط بالتحديات التي يواجها قطاع التعليم، ولو أخذنا فلسطين نموذجاً، لوجدنا أن سياسات الاحتلال الممهنجة بحق التعليم، علاوة على قلة التعامل مع الكتب وتعرض الأطفال للقصص في سن مبكرة، واتباع نهج في التدريس غير محفزة للأطفال على القراءة بشكل فعال، كُلها يعكس ذاته على واقع القرائية ومستواه لدى الطلبة.
تعي وزارة التربية والتعليم العالي في فلسطين خطورة هذه القضايا، وتبحث آليات لحلّها بشكل جذري ومستدام. فمع بداية العام الدراسي 2025/2026 أطلقت الوزارة مبادرة المدرسة وحدة تطوير، ضمن برنامج "دعم أجندة إصلاح التعليم لتحسين طرق التدريس وأساليب التقييم والمسار المهني- سيرتك"، بدعم من البنك الدولي.
سيتم تنفيذ هذه المبادرة التطويرية وتعميمها على أوسع نطاق، بحيث تقوم مديريات التربية والتعليم في المحافظات بترشيح عدد من المدارس الأساسية التي تتضمن الصفوف 1-4، ليلتحق معلموها هذه المدارس بتدريب بناءً على احتياجات محددة مسبقاً، وتعطى الأولوية للمدارس في المناطق الأقل حظاً، ويحتاج فيها المعلمون والمعلمات لبناء القدرات في موضوعات متخصصة في تعليم اللغة العربية، ولم يتلقوا تدريبات سابقة في مجال المبادرة. ومن ثم يتم اختيار مدرسة كاملة بناء على معادلة نسبة وتناسب لعدد الأطفال والمعلمين في كل منطقة، مع استهداف كافة عناصر المدرسة من الكادر التعليمي، بما يشمل معلمي اللغة العربية للصفوف 1-4 والمديرين في المدراس، وإنشاء مكتبة صفية في كل شعبة يتعرض معلموها للتدريبات، ما يعزز توفير المصادر المعززة للقراءة.
هذا المنحى سيضمن تعليماً موحداً لكافة الصفوف من (1-4) للشعب كُلّها، مع ضرورة تزويد هذه المدارس بالكتب والقصص المناسبة.
البناء على مبادرات سابقة
لم تكن مبادرة المدرسة وحدة تطوير وليدة اللحظة، بل جاءت استكمالاً لجهود متعددة، لتطوير القراءة وتحسين أساليب تدريس فنون اللغة العربية، وبناءً على قصص نجاح لمعلمي اللغة للصفوف الأساسية. وفي هذا الإطار، تستحضر معلمة اللغة العربية إيمان بدران، من مدرسة ذكور بيتونيا الأساسية المختلطة، التي تصف ردة فعل طلبتها على مبادرتها "قراءتي حياتي" الهادفة إلى تشجيع الطلبة على القراءة، وتحسين مستواهم في فهم المقروء، وتقول ""أصبحت أرى في الصف فرصة ليس فقط لتعليم الطلبة، بل أيضاً لتعلم دروس جديدة من إجاباتهم الملهمة".
كانت بدران واحدة من 450 معلمة ومعلماً شاركوا في التدريبات الأولى لتنمية مهارات الطلبة القرائية في الصفوف (1-4)، بهدف إيجاد بيئة مدرسية وصفيّة تشجع الطلبة على القراءة وتطور مهاراتهم الأساسية في ذلك.
وانطلاقاً من هذا التدريب، أسست بدران مكتبة صفية في الصف الرابع كنموذج تجريبي، ما وفر للطلبة بيئة غنية بالقصص والكتب المشجعة. وبدأت رحلة التعلّم من خلال قراءة القصص داخل الحصة، حيث قام الطلبة بقراءة قصص تناسبهم، وتلخيصها، واستنتاج عناصرها، واستخلاص القيم المستفادة منها. وهنا، تُؤكد المعلمة بدران أن دمج الاستراتيجيات المكتسبة في تدريبات برنامج سيرتك ساعدت الطلبة على اكتساب مهارات القراءة والفهم بشكل فعال.
لم تقتصر رحلة القراءة على الصف فقط، بل نظمت بدران جولات إلى مكتبة المدرسة، حيث تجول الطلبة بين رفوفها واختاروا القصص المحببة إليهم لقراءتها. ولتعزيز مهارات الكتابة لديهم، صممت بدران أنشطة تفاعلية، كترتيب حروف مبعثرة لتكوين كلمات ذات معنى، ثم البدء بكتابة قصص قصيرة بناءً على هذه الكلمات من إبداع الطلبة. تُشير بدران إلى أن هذه الاستراتيجيات، وغيرها كالدراما وتقمص الأدوار، والعصف الذهني، والنهايات المتفرعة، لا تُساهم فقط في تحسين تحصيل الطلبة الأكاديمي في المراحل اللاحقة، بل تعزز أيضاً مهاراتهم الشخصية وقدراتهم على التعبير عن أنفسهم والتواصل بفعالية. موضحة أن هذه الاستراتيجيات أثارت إبداع الأطفال وحفزت مخيلتهم، مما أدى إلى نقاشات شيّقة وتبادل للأفكار من وجهات نظر مختلفة. وأنها استمتعت جداً بهذا الاختلاف.
تُظهر مبادرة "قراءتي حياتي"، التي استلهمتها بدران من تدريبات مهارات القراءة، كيف يمكن للتعليم أن يتجاوز حدود الغرفة الصفية، ويخلق بيئة تعليمية تفاعلية وممتعة. تُمثل هذه المبادرة، التي استخدمت أبسط الموارد، نموذجاً ناجحاً لكيفية تحسين مستوى التعليم في الصفوف الأساسية وتطوير مهارات القراءة والفهم لدى الطلبة. وتبين بدران "بهذه المبادرة، وبتشجيع من مديرة المدرسة ذكور بيتونيا، استطعنا أن ننقل الطلبة من مستواهم غير المتمكن في القراءة، إلى طلبة يشاركون في مسابقات ذات علاقة كمسابقة تحدي القراءة على مستوى الوطن والمنطقة العربية".
التحديات واحتياجات المعلمين
ورغم وجود مبادرات فردية، إلا أن ما ينقص مدارسنا هو اعتماد نهج موحد ومنظم لتعزيز مهارات القرائية في الصفوف الأساسية. ويُلاحظ مشرفو المرحلة للغة العربية أن أغلبية المعلمين يعتمدون على المناهج المقررة كمصدر وحيد للتدريس. توضح المشرفة سناء أبو البها، وهي مشرفة للصفوف (1-4) في منطقة رام الله، أنه وخلال زياراتهم الميدانية لوحظ عدم استخدام المعلمين لاستراتيجيات وأنشطة تفاعلية في حصص اللغة العربية، وغالباً ما يكون التدريس متمحور حول قواعد اللغة والنحو.
تُتابع "أبو البها" أغلب المعلمين يحتاجون إلى دعم وتدريب حول الاستراتيجيات التفاعلية في تعليم اللغة العربية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تحول دون تعميمها على نطاق أوسع، رغم من وجود تدريبات ومبادرات متعددة بهذا الخصوص، كنقص الموارد التي تستطيع بعض المدارس توفيرها، كالقصص، والتأثيث وغيرها، والحاجة إلى تخصيص حصة قراءة أسبوعياً، والقدرة على تفريغ المعلمات والمعلمين لهذه الحصص. مضيفة أنه ولمعالجة هذه التحديات نحتاج إلى دعم من الوزارة، ومشاركة من المجتمع المحلي لبناء مكتبات صفية مجهزة بالكامل داخل الصفوف.
وانطلاقاً من هذه التحديات، خاصةً فكرة تعميمها على كافة المعلمين والمدارس بشكل متكافئ، تأتي مبادرة "المدرسة وحدة تطوير"، لبناء نهج تعاوني بين المعلمين ومديري المدارس؛ لتطبيق المعارف والمهارات المكتسبة في الصف والبيئة المدرسية، وبناء مجتمعات تعليمية تعلمية للمعلمين في الصفين 1-2 والصفين 3-4، حيث ينتقل هذا النهج من جلسات التدريب التقليدية إلى نموذج مهني قائم على المدرسة بمكوناتها المختلفة: المدير/ة، المعلم/ة، والطالب/ة، ويمتد إلى داخل الغرفة الصفية بدعم وإنشاء مكتبات صفية، وتوفير كتب قصصية للمعلمين لتعزيز مهارات القراءة لدى الطلبة.
وهنا، يؤكد الوكيل المساعد للأنشطة الطلابية، صادق الخضور، وهو مسؤول مكون "بناء أسس قوية للتعلم والرفاه" في برنامج سيرَتك، أن المبادرة تسعى إلى معالجة تحديات تعليم القراءة التي يواجهها المعلمون غير المتمرسين، ويوضح أن الهدف النهائي هو تمكين جميع المعلمين من تدريس هذه المهارات وتطبيقها في الصف لجميع المدارس لتلك المرحلة.
تهدف خطة التدريب في مرحلته الأولى تهدف إلى بناء قدرات 562 معلم/ة للصفين 1-2، و440 معلم/ة للصفين 3-4، بالإضافة إلى 221 مديراً/ة وتجهيز 1778 صفاً دراسياً.